فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاستعجال هو طلب الإسراع في الأمر، وهو مأخوذ من العجلة وهي السرعة إلى الغاية، أي طلب الحدث قبل زمنه. وما داموا قد استعجلوا العذاب فلابد أن يأتيهم هذا العذاب، ولكن في الميعاد الذي يقرره الحق؛ لأن لكل حدث من أحداث الكون ميلادا حدده الحق سبحانه: {مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} [الأنعام: 57]
إن الحكم لله وحده، فإن شاء أن ينزل عذابا ويعجل به في الدنيا كما أنزل على بعض الأقوام من قبل فلا راد له، وإن شاء أن يؤخر العذاب إلى أجل أو إلى الآخرة فلا معقب عليه.
ومن حكمة الحق أن يظل بقاء المخالفين للمنهج الإيماني تأييدا للمنهج الإيماني. ويجب أن نفهم أن الشر الذي يحدث في الكون لا يقع بعيدا عن إرادة الله أو على الرغم من إرادة الله، فقد خلق الحق الإنسان وأعطاه الاختيار، وهو سبحانه الذي سمح للإنسان أن يصدر منه ما يختاره سواءً أكان خيرًا أم شرًا. إذن فلا شيء يحدث في الكون قهرًا عنه؛ لأنه سبحانه الذي أوجد الاختيار. ولو أراد الحق ألا يَقْدِر أحد على شر لما فعل أحد شرًا. ولكنك أيها المؤمن إن نظرت إلى حقيقة اليقين في فلسفته لوجدت أن بقاء الشر وبقاء الكفر من أسباب تأييد اليقين الإيماني.
كيف؟ لأننا لو عشنا في عالم لا يوجد به شر لما كان هناك ضحايا، ولو لم يوجد ضحايا لما كان هناك حثٌّ على الخير وحضّ ودفع إليه. ولذلك تجد روح الإيمان تقوي حين يهاج الإسلام من أي عدو من أعدائه، وتجد الإسلام قد استيقظ في نفوس الناس، فلو لم يوجد في الكون آثاره ضارة للشر، لما اتجه الناس إلى الخير. وكذلك الكفر من أسباب اليقين الإيماني، فعندما يطغى أصحاب الكفر في الأرض فسادًا واستبدادًا، نجد الناس تتدرع باليقين وتتحصن بالإيمان لأنه يعصم الإنسان من شرور كثيرة. إذن فوجود الشر والكفر هو خدمة لليقين الإيماني. {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ الحق وَهُوَ خَيْرُ الفاصلين} [الأنعام: 57]
نعم إن الحكم لله لأنه سبحانه يفصل بين الموقف دون هوى لأنه لا ينتفع بشيء مما يفعل، فقد أوجد الحق هذا الكون وهو في غنى عنه؛ لأن لله سبحانه وتعالى كل صفات الكمال ولم يضف له خلق الكون صفة زائدة، وقد خلق سبحانه الكون لمصلحة خلقه فقط. ويبلغنا الرسول: {قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنِّي على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي} أي: على بيانِ أو بَصِيرةٍ وبُرهانٍ من ربي.
قوله: {وكَذَّبْتُم به} في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها مُسْتَأنَفَةُ سِيقَتْ للإخبارِ بذلك.
والثاني: أنها في مَحَل نصبٍ على الحالِ، وحينئذٍ هل يحتاج إلى إضمار قد أم لا؟
والهاء في {به} يجوز أن تعود على {ربِّي}، وهو الظاهر.
وقيل: على القرآن؛ لأنه كالمذكور.
وقيل: على اسْتِعْجَالهِمْ بالعذاب؛ لأنهم كانوا يقولون: {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً} [الأنفال: 32].
وقيل: على بيَّنةٍ؛ لأنها في معنى البيانِ.
وقيل: لأن التاء فيها للمُبالغةِ، والمعنى على أمرٍ بيِّنٍ من ربي.
و{مِنْ ربِّي} في محلِّ جَرِّ صِفَةً لـ {بيِّنَةٍ}.
قوله: {ما عِنْدي مَا تَسْتَعْجِلُونه بِهِ} كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يخوِّفهم نزول العذابن فقال تعالى: قال يا محمَّد: {ما عندي ما تَسْتَعْجِلُونَ به}، يعني قولهم: {إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} [الأنفال: 32].
وقيل: أراد به القِيامَةَ؛ لقوله تعالى: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} [الشورى: 18].
قوله: {إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ} أي: في تأخير عذابهم.
قوله: {يَقُصُّ الحقَّ} قرأ نافع، وابن كثير، وعاصم {يَقُصُّ} بصاد مهملة مشددة مرفوعة، وهي قاءة ابن عبَّاسٍ، والباقون بضادٍ معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواترة.
وقرأ عبد الله، وأبَيٌّ، ويحيى بن وثَّابٍ، والنخعي، والأعمش، وطلحة: {يَقْضِي بالحقِّ} من القضاءِ.
وقرأ سعيد بن جُبَيْرٍ، ومجاهد: {يقضي بالحقِّ وهو خير القاضين}.
فأمَّا قراءة {يقضي} فَمِنَ القضاء.
ويؤيده قوله: {وهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ} فإن الفَصْلَ يناسب القضاء، ولم يُرْسَمْ إلاَّ بضاد، كأن الباء حذفت خطًّا كما حذفت لَفْظًا لالتقاء الساكنين، كما حُذِفَتْ من نحو: {فَمَا تُغْنِي النذر} [القمر: 5].
وكما حذفت الواو في {سَنَدْعُ الزبانية} [العلق: 18]، {وَيَمْحُ الله الباطل} [الشورى: 24] كما تقدَّم.
وأمَّا قراءةُ نَصْبِ {الحقّ} بعدهُ، ففيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه مَنْصُوبٌ على أنه صَفَةٌ لمصدر مَحْذُوفٍ، أي: يقضي القضاء الحقّ.
والثاني: أنه ضمَّن يقضي معنى ينفذ، فلذلك عدَّاهُ إلى المفعول به.
الثالث: أن قضى بمعنى صَنَع فيتعدَّى بنفسه من غير تَضْمينٍ، ويدُلُّ على ذلك قول الهُذَلِيّ شِعْرًا: [الكامل]
وَعَليْهِمَا مَسْرُودتانِ قَضَاهُمَا ** دَاوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّع

أي: صنعهما داود.
الرابع: أنه على إسْقَاطِ حَرْفِ الجرِّ، أي: يقضي بالحق، فلما حذف انْتَصَبَ مَجْرُورُهُ على حَدِّ قوله: [الوافر]
تَمُرُّونَ الدِّيَار وَلَمْ تَعُوجُوا

ويُؤيِّد ذلك القراءة بها الأصل.
وأمَّا قراءةُ {يَقُصُّ} فمن قَصَّ الحديثَ، أو مِنْ قَصَّ الأثَرَ أي: تتبَّعه.
قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القصص} [يوسف: 3].
ورجَّحَ أبُو عَمْرِو بْنُ العلاءِ القراءة الأولى بقوله: الفَاصِلينَ وحُكِيَ عنه أنه ق: أهُوَ يَقُصُّ الحقَّ أوْ يَقْضِي الحقَّ فقالوا: يَقُصُّ فقال: لو كان يَقُصُّ لقال: وهو خير القاصَّين أقَرَأ أحَدٌ بهذا؟ وحيث قال: وهو خير الفاصلين فالفَصْلُ إنما يكون في القضاءِ.
وكأن أبا عمروٍ لم يبلغه وهو خير القاصين قراءة، وقد أجاب أبو علي الفارسي عما ذكره أبو العلاء، فقال: القَصَصُ هنا بمعنى القولِ، وقد جاء القول في القَصْل أيضًا، قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13].
وقال تعالى: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: 1].
وقال تعالى: {ونُفَصِّلُ الآياتِ} فقد حمل الفَصْلَ على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاءِ، فلا يلزم من الفاصل أن يكون معينًا ليقضي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (58):

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{قل لو أن عندي} أي على سبيل الفرض {ما تستعجلون به} أي من العذاب {لقضي} وبناه للمفعول لأن المخوف إنما هو الإهلاك، لا كونه من معين {الأمر بيني وبينكم} أي فكنت أهلك من خالفني غضبًا لربي بما ظهر لي منه من التكبر عليه، وقد يكون فيهم مَنْ كُتِبَ في ديوان السعداء، لكنه لم يكن الأمر إليّ لأني لا أعلم الظالم عند الله من غيره، فليس الأمر إلا إلى الله، لأنه أعلم بالمنصفين فينجيهم {والله} أي الذي له الكمال كله {أعلم بالظالمين} أي المكتوبين في ديوان الظلمة فيهلكهم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن المعنى {لَّوْ أَنَّ عِندِى} أي في قدرتي وإمكاني {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب {لَقُضِىَ الأمر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} لأهلكتكم عاجلًا غضبًا لربي، واقتصاصًا من تكذيبكم به.
ولتخلصت سريعًا {والله أَعْلَمُ بالظالمين} وبما يجب في الحكمة من وقت عقابهم ومقداره، والمعنى: إني لا أعلم وقت عقوبة الظالمين.
والله تعالى يعلم ذلك فهو يؤخره إلى وقته، والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم} أي لو كان في قدرتي الوصول إلى ما تستعجلون به من اقتراح الآيات أو من حلول العذاب لبادرت إليه ووقع الانفصال بيني وبينكم.
وروي عن عكرمة في {لقضي الأمر بيني وبينكم} أي لقامت القيامة وما روي عن ابن جريج من أن المعنى لذبح الموت لا يصح ولا له هنا معنى.
وقال الزمخشري و{ما تستعجلون به} من العذاب لأهلكنكم عاجلًا غضبًا لربي وامتعاضًا من تكذيبكم به ولتخلصت منكم سريعًا؛ انتهى.
وهو قول ابن عباس لم أمهلكم ساعة ولأهلكنكم.
{والله أعلم بالظالمين} الظاهر أن المعنى والله أعلم بكم فوضع الظاهر المشعر بوصفهم بالظلم موضع المضمر ومعنى {أعلم} بهم أي بمجازاتهم ففيه وعيد وتهديد.
وقيل: بتوقيت عقابهم وقيل: بما آل أمرهم من هداية بعض واستمرار بعض.
وقيل: بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن يمهل.
وقيل: بما تقتضيه الحكمة من عذابهم. اهـ.

.قال الخازن:

{قل لو أن عندي ما تستعجلون به} يعني: من إنزال العذاب.
والاستعجال، المطالبة بالشيء قبل وقته، فلذلك كانت العجلة مذمومة، والإسراع تقديم الشيء في وقته، فلذلك كانت السرعة محمودة.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستعجلين لنزول العذاب لو أن عندي ما تستعجلون به لم أمهلكم ساعة ولكن الله حليم ذو أناة لا يعجل بالعقوبة.
قوله تعالى: {لقضي الأمر بيني وبينكم} لا نفصل ما بيني وبينكم ولأتاكم ما تستعجلون به من العذاب {والله أعلم بالظالمين} يعني أنه أعلم بما يستحقون من العذاب والوقت الذي يستحثونه فيه وقيل علم أنه سيؤمن بعض من كان يستعجل بالعذاب فلذلك أخره عنهم قال والله أعلم بالظالمين وبأحوالهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل لو أن عندي ما تستعجلون به} أي: من العذاب {لقضي الأمر بيني وبينكم} قال ابن عباس: يقول: لم أمهلكم ساعة، ولأهلكتكم.
قوله تعالى: {والله أعلم بالظالمين} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى إن شاء عاجلهم، وإن شاء أخَّر عقوبتهم.
والثاني: أعلم بما يؤول إليه أمرهم، وأنه قد يهتدي منهم قوم، ولا يهتدي آخرون؛ فلذلك يؤخِّرهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قل لو أن عندي} الآية، المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الانفصال، وتم التنازع لظهور الآية المقترحة أو لنزل العذاب بحسب التأويلين، وحكى الزهراوي: أن المعنى لقامت القيامة، ورواه النقاش عن عكرمة، وقال بعض الناس: معنى {لقضي الأمر} أي لذبح الموت.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول ضعيف جدًا لأن قائله سمع هذا المعنى في قوله تعالى: {وأنذرههم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} [مريم: 39] وذبح الموت هنا لائق فنقله إلى هذا الموضع دون شبه، وأسند الطبري هذا القول إلى ابن جريج غير مقيد بهذه السورة، والظن بابن جريج أنه إنما فسر الذي في يوم الحسرة {والله أعلم بالظالمين} يتضمن الوعيد والتهديد. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقوله: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي: لو كان مرجع ما تستعجلون به إلي، لأوقعت بكم ما تستحقونه من ذلك {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}.
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، وبين ما ثبت في الصحيحين من طريق ابن وَهْب، عن يونس، عن الزهري، عن عُرْوَة، عن عائشة؛ أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: «لقد لقيتُ من قومك، وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردتُ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظَلَّتْني، فنظرت فإذا فيها جبريل، عليه السلام، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم». قال: «فناداني مَلَك الجبال وسلم علي، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك، لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لا يشرك به شيئا»، وهذا لفظ مسلم.
فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وسأل لهم التأخير، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئا. فما الجمع بين هذا، وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ}؟
فالجواب- والله أعلم: أن هذه الآية دَلَّت على أنه لو كان إليه وقوعُ العذاب الذي يطلبونه حالَ طَلبهم له، لأوقعه بهم. وأما الحديث، فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه مَلَك الجبال أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين- وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبا وشمالا- فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى} أي في قدرتي ومِكْنتي {مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} من العذاب الذي ورد به الوعيد بأن يكون أمرُه مفوّضًا إلي من جهته تعالى: {لَقُضِىَ الأمر بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} أي بأن ينزِلَ ذلك عليكم إثرَ استعجالِكم بقولكم: متى هذا الوعد ونظائرِه، وفي بناء الفعل للمفعول من الإيذان بتعيُّن الفاعِلِ الذي هو الله تعالى وتهويلِ الأمر ومراعاةِ حسنِ الأدب ما لا يخفى. فما قيل في تفسيره لأهلكتُكم عاجلًا غضبًا لربي ولتخلصْتُ منكم سريعًا بمعزلٍ من تَوْفِيةِ المقام حقَّه. وقولُه تعالى: {والله أَعْلَمُ بالظالمين} اعتراضٌ مقرِّرٌ لِما أفادتْه الجملةُ الامتناعية من انتفاءِ كونِ أمرِ العذابِ مفوَّضًا إليه صلى الله عليه وسلم المستتبِع لانتفاء قضاءِ الأمر، وتعليلٌ له والمعنى والله تعالى أعلم بحال الظالمين وبأنهم مستحقون للإمهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوِّضِ الأمرَ إليّ فلم يقضِ الأمرَ بتعجيل العذاب والله أعلم. اهـ.